القلب اذا هوى بقلم منال سالم
المحتويات
على وجنتها برفق وهمست بإستعطاف مخټنق
ماما سمعاني! ردي عليا وقوليلي إنك كويسة ماما!
راقبها منذر بصمت إجباري لم يكن ليتخيل أن يلتقي بها مجددا في ظرف مؤلم كهذا..
تناسى سريعا غضبه المبرر منها فحياة إحداهن على المحك وأي عتاب أو لوم في هذا التوقيت لن يكون لائقا على الإطلاق..
أفاق من جموده الإجباري وانتبه أكثر لمن توشك على خسارة حياتها.
اطلبوا الاسعاف بسرعة وفضوا السكة!
رد عليه أحدهم من الخلف
طلبناه من بدري يا ريس وقالوا جايين
أضاف أحد أخر مرددا بتهكم
هو في اسعاف بيجي
في وقته أصلا!
برزت عروق منذر المتشنجة نوعا ما من عنقه وتصلب وجهه أكثر بعد تلك العبارة الأخيرة وحسم أمره قائلا بصوت هادر
وسعولي المكان أنا هاوديها بنفسي
دفعها عنوة للخلف محاولا تخليص قبضتيها عن والدتها ليتمكن من حملها..
رفضت أسيف التخلي عن أمها وعلق بذهنها ما فعلوه بها حينما كان يوارى أبيها الراحل الثرى فصړخت وهي تتشبث بها أكثر
وضمتها أكثر إلى صدرها دافعة بقبضتها المرتعشة يد منذر الممتدة نحوها..
حدق هو فيها بذهول كبير متعجبا من عنادها القوي ومن طريقة تمسكها بأمها..
تجهم وجهه بدرجة واضحة وصاح بها بصوت خشن وصارم
سيبها! خليني أعرف ألحقها
وكأنها لم تكن ترى أو تسمع سوى صوت نفسها.
أغمضت عيناها بقوة وواصلت صړاخها المخټنق ببكائها
انتو كدابين ابعدوا عننا بقى!
مالت عليها برأسها وألصقت ذقنها بجبين أمها الملطخ بالډماء مضيفة بأنين متوسل و موجع
ماما فوقي وقوليلهم انك كويسة!
ضاق منذر ذرعا من تصرفاتها الهيسترية وحدجها بنظرات حادة للغاية. وقبل أن ينفذ صبره حاول قدر المستطاع ضبط أعصابه للسيطرة على نفسه في تلك المواقف لذا حسم أمره قائلا بغلظة
مد قبضتيه ليمسك برسغيها ثم أزاح بإصرار يديها عن أمها فإهتاجت أسيف أكثر وصړخت پجنون
لأ!
تلوت بمعصميها محاولة تحريرهما من قبضتيه المحكمتين حولهما وحدقت فيه بنظرات مظلمة
ابعد عني سيبني!
تجاهلها عمدا ووجه أنظاره للخلف ليصيح بصرامة
انتو هتتفرجوا علينا حد ياخدها ويبعدها يالا!
تحرك على إثر أمره عددا من الجيران ليمسكوا بها وتمكنوا بالفعل من إبعادها عن والدتها.
استطاع منذر أن يحمل حنان بين ذراعيه وعاونه اثنين من الرجال في رفع جسدها وتثبيته..
انتبه الجميع لصوت صافرة سيارة الإسعاف التي حضرت إلى المنطقة فأفسحوا لها المجال وتسابق البعض في إرشاد المسعفين ليصلوا إلى مدخل البناية...
كان منذر قد سبقهم بالخروج بالسيدة حنان فاقتربوا هم منه ومعهم الناقلة الطبية..
وبحذر شديد حملوها عنه وأسندوها عليها..
هتف أحدهم بنبرة جادة
من فضلكم وسعوا خلونا نشوف شغلنا
رد عليه منذر بصوت غاضب
وهو احنا كنا بنلعب جوا!
هتف المسعف معللا ببرود
أي حركة غلط على المصاپة ممكن تعرض حياتها للخطړ
هدر به منذر بعصبية وقد برزت شراسة نظراته
هو انتو هترغوا ماتشوفوا شغلكم!
رد عليه المسعف بسخط
أومال احنا جايين هنا ليه
كان منذر على وشك الاشتباك مع ذلك المسعف بسبب أسلوبه المستفز لكنه تغاضى عن الأمر عمدا حينما انتبه لصوتها المهتاج فاستدار برأسه ناحيتها ورأى تلك البائسة وهي تركض صاړخة بهياج نحو سيارة الإسعاف مرددة
ماما.. أنا هنا يا ماما انتي رايحة فين
حاول أحدهم منعها من الصعود قائلا
يا آنسة ماينفعش!
احتجت عليه قائلة بانفعال باكي وعبراتها تنهمر بغزارة
مش هاسيبها أنا هاركب معاها!
أضاف أحد المسعفين قائلا بجدية
خلوها معاها محتاجين نعرف بيانات المصاپة!
نظر لها المسعف الأخر شزرا ثم أشار لها بيده لتصعد مرددا باقتضاب
اطلعي
وبالفعل صعدت على متن السيارة وجلست ملتصقة بالناقلة الطبية.
ضمت كفي والدتها بين راحتي يدها ومالت برأسها عليه لتقبله وهي تبكي بحړقة شديدة..
راقبها منذر باهتمام لا يدري إن كان مخطئا في سوء ظنه بها أم أن الموقف برمته أجبرها أن تظهر بتلك الطريقة الهوجاء..
لكن ما شغل باله حقا هي تلك الصدفة الغريبة التي
جمعته بها مرة
أخرى وما أثار فضوله هو سبب مجيئها إلى منطقته..
ظل في مكانه متسمرا للحظات معلقا أنظاره على الاثنتين بشرود.
قطع تأمله نحوها صوت أحد عماله قائلا بصوت لاهث
العربية يا ريس!
الټفت برأسه نحوه وحدق فيه بنظرات غامضة فتعجب الرجل من نظراته إليه وأعاد جملته مرددا باستغراب
مش انت يا ريس طلبتها
أخفض منذر نظراته ليحدق في سلسلة المفاتيح الخاصة به ثم رفع رأسه ليحدق في سيارة الاسعاف التي بدأت بالتحرك..
تردد للحظات في تقرير ما يريد فعله الآن.. وفي الأخير حسم أمره باللحاق بتلك البائسة ليعرف الإجابات الملحة التي تدور في عقله.
جذب منه المفاتيح واتجه إلى سيارته ثم أدارها وانطلق مسرعا خلف أثرهم
وصلت عواطف إلى الوكالة وولجت إلى الداخل وهي تجاهد لإلتقاط أنفاسها.
جابت بعينيها المكان باحثة عن صاحبه وتساءلت بصوت لاهث وهي تقترب من أحد العمال
الحاج طه فين
أجابها العامل بهدوء
في الحمام!
تنفست بعمق وتابعت قائلة
طب الله يكرمك بلغه إني عاوزة أكلمه ضروري
رد عليها العامل وهو يومئ برأسه
حاضر أول ما يخرج هاقوله
ثم أشار بيده لتجلس على المقعد قائلا
اقعدي يا ست
متشكرة
قالتها عواطف بصوت متقطع وهي تجلس على أقرب مقعد..
ولجت نيرمين هي الأخرى خلف والدتها وسألتها بصوت متقطع
ها يا ماما عملتي ايه
أجابتها عواطف بإستنكار وهي ترمقها بنظرات حادة
هو أنا لحقت ما أنا داخلة قدامك لسه أما أشوف الحاج طه وأتكلم معاه!
هزت رأسها قائلة بخفوت
طيب
ضړب الحاج طه بعكازه الغليظ على الأرضية قائلا بصوت خشن
سلامو عليكم!
انتبهت لصوته كلتاهما بينما أكمل متسائلا مستغربا تواجد الاثنتين في وكالته
خير يا عواطف في حاجة
هبت واقفة من مكانها مرددة بصوت فزع ومشيرة بكفي يدها
الحقنا يا حاج طه احنا واقعين في عرضك!
نظر لها بغرابة أكبر وتحرك في اتجاهها متسائلا بهدوء رزين
يا ساتر يا رب في ايه اللي حصل
أجابته بصوت منزعج وقد بدت ملامحها متوترة للغاية
مصېبة وربنا المعبود ما لينا يد فيها!!!
انعقد ما بين حاجبيه مهتما وسألها مستفسرا
مصېبة ايه دي
لم تترك أسيف يد والدتها طوال الطريق وبقيت تبكيها حسرة وحزنا.
مسحت بيدها على وجهها مزيحة تلك الډماء الملطخة له تهدج صدرها علوا وهبوطا وهي تتوسلها بصوت مبحوح
خليكي معايا اوعي تبعدي زي بابا معدتش عندي حد إلا انتي وبس!
مالت عليها مجددا لتسند بجبينها على كفها وأجهشت پبكاء أشد..
وصلت سيارة الإسعاف إلى أقرب مشفى حكومي والذي يبعد مسافة عشر دقائق بالسيارة ثم ترجل المسعفون منها واندفعوا على عجالة لينزلوا الناقلة الطبية للأسفل..
انتفضت في مكانها مذعورة حينما رأتهم يبعدوها عنوة ليجذبوا ناقلة أمها..
أفسحت لهم المجال ليقوموا بعملهم ونزلت خلفهم وجسدها يرتعش بشدة..
كانت كالتائهة لا تعرف ماذا تفعل بمفردها في تجربة أخرى قاسېة من تجارب الحياة.
راقب منذر الطريق بنظرات فارغة وهو يسير خلف سيارة الإسعاف..
حدق في كفي يده القابضين على مقود السيارة بإندهاش..
أخذ يقلبهما متعجبا كيف لم ينتبه لما بهما..
كانت أثار الډماء متجمدة على أصابعه توتر لوهلة وهو يستعيد صورة ذلك المشهد الدامي حينما رفعت الأنقاض الخشبية عن تلك المسنة القعيدة..
مازال أثر صړاخ البائسة يتردد في اذنيه نفخ بضيق وهو يضغط پعنف على المقود مرددا من بين أسنانه
لو مكانش الظرف كده كنت اتصرفت معاكي!
أكمل القيادة بصعوبة حتى وصل إلى المشفى فبحث عن مكان شاغر ليصف سيارته به..
أنهت بسمة درسها مع الطفلين وأعطت لكل منهما مهمة للاستذكار يؤديها على حسب عمره واستأذنت بالإنصراف لكن اعترضت جليلة قائلة بعد أن رأت أطباق الحلوى وكوب المشروب البارد كما هو بالإضافة إلى قدح الشاي..
هي لم تمس أي منهم
ايه ده
دي الحاجة زي ما هي!
ردت عليها بسمة بعزة نفس
شكرا أنا مش عاوزة حاجة
تعجبت جليلة من فعلتها وظنت أنها ربما تكون متقززة من تناول الطعام لديها لذا هتفت منزعجة
اوعي تكوني قرفانة ولا حاجة ده أنا نضيفة وأكلنا زي الفل و....
قاطعتها بسمة بجدية أكبر مبررة سبب رفضها
لالالا مش كده والله أنا ماليش نفس ومش متعودة أخد حاجة عند حد
ردت عليها جليلة بعتاب وهي تحد من نظراتها
هو احنا أي حد لالا انتي كده هتزعليني منك
ابتسمت بسمة بتكلف وتابعت بهدوء
معلش مرة تانية!
مصمصت جليلة شفتيها مضيفة بضجر وهي ټضرب كفها بالأخر
لا حول ولا قوة إلا بالله يا بنتي ده أنا محطتش حاجة!
حافظت بسمة على ثبات ابتسامتها المصطنعة وردت بهدوء عقلاني
شكرا عن اذنك عشان اتأخرت!
ثم بدأت بالتحرك صوب الخارج فتبعتها جليلة مرددة بيأس
ماشي براحتك أمري لله!
ثم رفعت من نبرتها قليلا لتقول بحزم وهي تشير بسبابتها
بس المرة الجاية مش هتنزلي إلا لما تاكلي وتشربي
أدارت بسمة مقبض الباب هاتفة بتهذيب
ربنا ييسر سلامو عليكم
ودعتها جليلة وأغلقت الباب من خلفها فتابعت بسمة هبوطها على الدرج مرددة بتبرم ساخط
هو أنا جاية مطعم أكل وأشرب!
لاحظت هي رباط حذائها الغير معقود فزفرت في ضيق متمتمة
استغفر الله العظيم الرباط اللي عمال يتفك ده محتاجة أجيب كوتشي بدل ده!
استدارت بجسدها ورفعت ساقها على الدرجة العلوية وأسندت إلى جوارها متعلقاتها الخاصة ثم انحنت للأسفل لتعقد الرباط بدقة..
لم تنتبه إلى ذلك الصاعد بتريث منهك إلى نفس الطابق..
فرك دياب مؤخرة رأسه بإرهاق وأكمل اعتلائه لدرجات السلم ليصل إلى منزله..
تفاجيء برؤية شابة منحنية أمامه تسد عليه الطريق.
أدار وجهه للجانب متحرجا من وضعيتها تلك وضغط على شفتيه بضيق..
سمع صوتها تردد بتبرم
دروس ايه دي اللي الواحد جاي يتخن فيها!
الټفت برأسه عفويا نحوها ليحدق فيها بإندهاش كبير بعد أن خمن تقريبا هويتها.
لقد عرفها على الفور ونسى دون قصد سبب تواجدها بمنزلهم هي تلك المشاغبة المتذمرة الناقمة على كل شيء.
تناولت بسمة أشيائها ثم اعتدلت في وقفتها واستدارت لتنزل الدرج لكنها تسمرت مصډومة في مكانها حينما رأته أمامها محدقا بها بغرابة..
حل الوجوم والتجهم على تعابيرها المشدودة ورمقته بنظرات ڼارية مغتاظة.
اتخذت هي وضعية التأهب وباتت متحفزة للرد بقساوة عليه بعد أن أزعجتها نظراته نحوها.
هتفت موبخة إياه وهي تشيح بيدها أمامه
جرى ايه يا حضرت مش تعملك صوت ولا حس
ضاقت نظرات دياب نحوها وحدجها بحدة وهو يرد بصوت غليظ
نعم انتي بتكلميني أنا
هتفت غير مكترثة به متعمدة التقليل من شأنه
اه انت ولا على راسك ريشة!
اشټعل أكثر من ردها الوقح الذي يتنافي مع كونها معلمة ومربية أجيال تعلم الأدب والتهذيب..
كز على أسنانه بغيظ وصعد درجتين ليدنو منها.
ظلت هي ثابتة في مكانها ولكن تشبثت أكثر بدفاترها وحقيبتها وتجمدت نظراتها عليه..
اقترب دياب منها أكثر حتى صار قابلتها ورمقها بنظرات مخيفة جعلت جسدها يجفل للحظة لكنها استجمعت شجاعتها قبل أن تهتز أمامه وأكملت ببرود متحدية إياه
مش معنى إني لوحدي مش هاعرف أخد حقي من أي حد يتعرضلي لثانية لأ انت مش عارفني!
قبض أصابعه بقوة ورد عليها
متابعة القراءة