قطة في عرين الأسد بقلم منى سلامة
الحلقة الأولى.
أشرقت شمس الصباح وأخذت آشعتها الذهبية تتسلل الى السماء فى استحياء .. انه صباح يوم آخر .. يهرع فيه الناس الى أعمالهم و أشغالهم .. فترى زحمة السير فى الطرق وترى أطفالا يحملون حقائبهم ذاهبون الى مدارسهم صحبة وفرادى .. وترى المواصلات العامة وقد اكتظت براكبيها .. تتمعن فى تلك الوجوه .. فترى بعضها شاردا وبعضها مكتئبا وبعضها متأففا وقليل منهم تحمل ملامحهم علامات الراحة والرضا .. ترى تلك السيدة الكبيرة التى صعدت الى الحافلة فيقوم هذا الشباب الشهم ويجلسها مكانه اكراما لسنها فينال دعوة طيبة .. وترى تلك الفتاة التى تسند رأسها على شباك الحافلة الزجاجى وتبدو مهمومة فتتمعن فيها محاولا تخمين ما الذى يؤرق مضجع فتاة يافعة مثلها .. وترى هذا الرجل الواقف فى وسط الحافلة لا يجد مكانا للجلوس تتمعن فى وجهه فتراه منهمكا فى التفكير وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق أكتافه .. وترى ذلك الطفل الصغير الذى اندس بين الكبار يبحث عن مكان يتسع لقدماه الصغيرتان وجسده النحيل .. تلك هى الدنيا .. كالساقية تدور وتدور .. وكل منا يعرف دوره فى هذه الحياة .. دوره الذى اختاره الله عز وجل له .. فمنا من يبرع فيه .. وينال أجر الدنيا والآخرة .. ومنا من يتكاسل عنه .. فيخسر أجر الدنيا والآخرة .. وسط تلك الوجوه المصرية التى تتباين فى الشكل واللون والملامح .. ترى فتاة خمرية البشرة متوسطة الوزن والطول ليست بالجميلة باهرة الحسن وليست بالدميمة .. فتاة مصرية عادية كملايين الفتيات اللاتى ترتطم بها عيناك وأنت تسير فى شوارع القاهرة .. لا يميزها سوى حجاب تخفى به شعرها .. وملابس محتشمة تخفى تفاصيل جسدها الأنثوى .. تسير الفتاة الى المترو لتركب فى العربة المخصصة للسيدات .. تجلس على أحد المقاعد الشاغرة وتخرج من حقيبتها مصحف صغير .. تقضى معه تلك الدقائق التى تفصلها عن مكان نزولها .. يتوقف المترو ويستعد الركاب للمغادرة .. تغادر مريم العربة وتتوجه الى تلك البناية التى تقع فى مواجهة المترو .. تدلف اليها ويلقى عليها حارس العمارة نظرة .. ثم يعود لمطالعة جريدته الصباحية .. تركب مريم المصعد وتضغط رقم 5 .. يتوقف المصعد فى الطابق الخامس .. تسير مريم عبر الردهة الطويلة التى اعتادت السير فيها يوميا حتى تصل الى باب مفتوح ومزين بلافته أنيقة كتب عليها شركة رؤية للدعاية والإعلان ..
صباح الخير يا مريم
رفعت مريم رأسها ونظرت الى صديقتها قائله
أخذت الفتاة مكانها على المكتب الآخر الموجود فى الغرفة .. و التى كانت تضم ثلاث مكاتب .. عادت مريم الى مطالعة حاسوبها .. نظرت مى الى المكتب الفارغ وقالت
هى الهانم لسه مشرفتش
تؤ
قالت مي بحدة
كالعادة عادتها ولا هتشتريها
قالت مريم بهدوء دون أن ترفع عينها عن حاسوبها
ملناش دعوة .. كل واحد حر فى نفسه
اشمعنى احنا نلتزم بمواعيدنا .. والهانم لازم كل يوم تتأخر .. أنا هبلغ أستاذ عماد باللى بيحصل ده
رفعت مريم عينيها لتنظر الى صديقتها قائله
ملناش دعوة يا مي .. لو أستاذ عماد سأل نبقى نقوله .. لكن طالما ما سألش عليها خلاص بلاش نعمل معاها مشاكل بدون داعى .. انتى عارفاها
قالت مى بغيظ
قالت مريم ببساطة
حاولى متحتكيش بيها وخلاص .. وبعدين سبيني أركز بأه عشان عندى شغل كتير
قالت مى وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها
شغاله على دعاية شركة دييبس
أها
ربنا معاكى شغلهم صعب وصاحب الشركة مبيعجبهوش العجب بيعدل كتير
رفعت مريم ناظريها قائله
أيوة من كذا سنة كنت ماسكه الحملة
الدعائية بتاعتهم .. كانوا متعبين بجد
عادت مريم تنظر الى حاسبها وتمتمت
لحد دلوقتى ما قابلنيش مشاكل معاهم
يارب دايما
بعد نصف ساعة .. دخلت الى المكتب فتاة تصبغ وجهها بمكياج صارخ .. حتى سار وجهها وكأنه لوحه متداخلة الألوان .. وحجاب صغير جدا لا يكاد يغطى شعيراتها الثائرة من الأمام .. فتدخل يديها لتحاول عبثا اخفاء تلك الخصلات .. دخلت ودون أن تلقى التحية توجهت الى المكتب الثالث وجلست عليه وبدأت فى تشغيل حاسوبها .. ثم أخرجت من حقيبتها مرآة وأخذت تتأكد من تمام زينتها ثم قامت وتوجهت الى الخارج .. تابعتها مى بعينيها وما كادت تخرج حتى هتفت قائله
قالت مريم بنفاذ