بقلم ندى محمود
المحتويات
لحظات معدودة فتح الباب وظهرت من خلفه خادمة في مقتبل العشرون من عمرها .. انزلت جزء من نظارتها وحدقتها بنظرة متفحصة وهي تبتسم بسخرية ومكر فقالت الفتاة برسمية
_ أيوة حضرتك عايزة مين
ردت عليها وهي لا تزال تطالعها بنفس النظرة
_ نشأت موجود
تعجبت الفتاة من نطقها لاسم رب عملها دون أي القاب كأنها تعرفه منذ زمن ولكنها ردت عليها بخفوت
انزلت النظارة من على عيناها وهتفت في شموخ
_ أسمهان الشافعي
.............
_ الفصل الثاني عشر _
منتظرة بغرفة المكتب الخاصة به لما يقارب ثلاث دقائق بالضبط جالسة على مقعد وثير بجانب المكتب واضعة ساق فوق الأخرى وبنظرها تتجول بين أرجاء الغرفة .. تتأمل أثاثها الكلاسيكي والرث بالنسبة لها حتى الوانها باهتة وتبعث طاقة سلبية في نفس الناظر إليها .. يبدو أن الزمن ترك آثاره حتى على المنزل فجعله كالقصور المتهالكة أو ربما هو ليس كالقصور المتهالكة هو بالفعل كذلك .. خالي من الروح والحياة منزل كئيب ومظلم يعطي انطباع من الخارج أنه مهجور ولا يسكنه بشړ ! .
_ معقول أسمهان هانم بنفسها في بيتي !
بقت بمقعدها دون أن تقف أو تتحرك حركة واحدة فقط تطلعت إليه بثبات انفعالي مميز وانتظرته حتى اقترب منها وجلس على المقعد المقابل لها هاتفا بابتسامة سمجة
_ قبل أي حاجة .. تحبي تشربي إيه دي أول مرة تدخلي فيها بيتي ولازم اضيفك
أسمهان بلهجة حازمة
_ أنا مش جاية اشرب يا نشأت .. هما كلمتين جاية اقولهم ليك وهمشي
رجع بظهره للخلف على مقعده يجلس باسترخاء متمتما بهدوء أعصاب مستفز
_ وأنا سامعك اتفضلي
_ هتخلي بنتك تبعد عن ابني واعتقد دي مش مهمة صعبة عليك .. زي ما اقنعتها تتجوزه هتقنعها إنها تطلق وإلا صدقني مش هتشوفها تاني
نشأت بنظرة كلها تحدي
_ متقدريش يا أسمهان تلمسي شعرة واحدة منها .. عشان سعتها أنا اللي هاخد روحك ومش هعمل حساب لأي حاجة واظن كمان إن حتى إنتي عارفة أنا قد إيه راجل وممكن اعمل إيه ثانيا لما تحبي ټهدديني ببنتي كان المفروض تكون معلوماتك كاملة
_ قصدك إيه !
انتصب في جلسته وقال بحدة تليق بصوته الرجولي
_ قصدي إن ابنك اللي متمسك ببنتي ورافض يطلقها مش هي وطلب مني إني اديله المساحة عشان يحاول يصلح علاقته بيها تاني وتفضل بنتهم عايشة وسط باباها ومامتها
استشاطت غيظا فور سماعها لتلك الكلمات وووقفت ثائرة وهي تهتف
_ عدنان لا يمكن يقول حاجة زي بنتك متفرقش معاه بحاجة وهي اللي واضح أوي نيتها أيه من الجواز دي الصراحة مكنتش متوقعة إنها هتطلع نسخة حقېرة ومصغرة من أمها كدا
_ أسمهان الزمي حدودك واعرفي إنتي بتتكلمي عن مين الغل والحقد اللي في قلبك ده يكون بيني وبينك وتصفية حسابات لو حابة يبقى نصفيها مع بعض لكن بنتي خط أحمر
رمقته بنظرة ساخرة أخيرة قبل أن تردف بثقة
_ انا قولت اللي عندي وإنت فهمتني
ثم
استدارت واتجهت
إلى خارج الغرفة بأكملها وتركته يشتعل بأرضه من الڠضب .
داخل مقر شركة أل الشافعي .....
يجلس على مقعده أمام المكتب ويشاهد آخر تسجيلات كاميرات المراقبة على الحاسوب النقال وتقف بجواره ليلى التي تتابع كل التسجيلات الأخيرة وما لاحظه عدنان أن هناك تسجيلات محذوفة ترجع ليوم الثلاثاء .. منذ يومين بالضبط .
رفع نظره لليلى التي كانت تحدق بالحاسوب قاطبة حاجبيها باستغراب وقال بحزم
_ في تسجيلات محذوفة !
سكتت لوهلة من الوقت تعيد تفاصيل يوم الثلاثاء في ذهنها بالكامل وفجأة لمعت عيناها وقالت مسرعة بحيرة
_ أيوة صح .. في اليوم ده دخل مستر نادر المكتب ولما حاولت امنعه قالي إن داخل هيحط ملف مهم لحضرتك على المكتب عشان أول ما نرجع تشوفه .. وبعدها في آخر اليوم طلب مني يشوف التسجيلات بتاعت مكتب حضرتك
أظلمت عيناه بشكل مخيف وظل يتطلع إليها لبرهة من الوقت يحاول أن لا يدع الشك يتسرب إليه .. لكن كل ما يظهر أمامه من أدلة يشير إلى حقيقة واحدة ! .
عدنان بصوت غليظ ومريب
_ متأكدة من الكلام ده يا ليلى !
ليلى بثقة تامة
_ أيوة يافندم متأكدة .. حتى آدم بيه كان منبه عليا إن محدش يدخل مكتب حضرتك وأنت مش موجود وخصوصا
مستر نادر .. ولما حب يدخل وقولتله اللي قاله آدم بيه اتعصب ودخل ڠصب عني
مسح عدنان على وجهه بعدم استيعاب .. وهناك صوتا في عقله يستمر بتأكيد ظنونه له لكنه لا يرغب بالإستماع أليه قبل أن يتأكد بنفسه .. وخصوصا أن نادر من أقرب الأشخاص لديه فعقله يجد صعوبة في تصديق أنه قد يكون المتسبب في هذا ! .
تمتم بنبرة محتقنة
_ إنتي عارفة اللي بتقوليه ده معناه إيه لو طلع صح
هزت راسها بإيجاب وتمتمت في خفوت
_ أنا من رأى نتأكد الأول لأن ممكن يكون ملوش ذنب
استقام من مقعده واقفا وتحدث إليها بلهجة صارمة ونظرة ثاقبة كلها قوة وجفاء
_ لو اللي بنفكر فيه صح يبقى كل حاجة هتظهر أكيد ..
المهم انتي هتدخلي مكتبه وهتدوري على الملف ده وهتراقبي كل تحركاته الفترة الجاية في الشركة وهتبلغيني بكل تفصيلة تشوفيها .. بس من غير ما نخليه يحس نهائي إننا شاكين فيه
اماءت لها ليلى بالموافقة وقالت برسمية
_ تحت أمرك
ابتعد من أمامها وتحرك باتجاه النافذة التي بطول الحائط ووقف أمامها واضعا كلتا قبضتيه في جيبي بنطاله مردفا بتفكير
_ خلاص تقدري تتفضلي يا ليلى
تحركت نحو الباب بصمت تام وغادرت وتركته بين تساؤلاته التي تنهش عقله نهش ! .
في مساء اليوم .......
يقود سيارته في طريقه إلى قصر الشافعي ويضع هاتفه أمامه يجرى عدة اتصالات بجلنار حتى يطمئن عليها لكن دون إجابة يستمر الهاتف في الرنين وبلا جدوى مرة واثنين وثلاثة والنتيجة نفسها ضيق عيناه باستغراب ممتزج ببعض القلق .. وعقله لا يتوقف عن توقع السوء .
أدرك أن لا مجال لراحة تفكيره ونفسه القلقة سوى الذهاب والاطمئنان عليها بنفسه .. غير وجهة سيارته واستدار بها عائدا إلى منزله الثاني .
بعد دقائق من القيادة السريعة توقف بالسيارة في المكان المخصص لها داخل المنزل وفتح الباب ثم نزل وقاد خطواته المضطربة نحو الباب الداخلي .
أخرج المفاتيح من جيبه ووضعها في قفل الباب فانفتح دخل ثم أغلقه خلفه بهدوء ونزع حذائه بجانب الباب ثم سار نحو الداخل .. كان الهدوء يهيمن على المنزل كله والأضواء خاڤتة فقط هناك صوت بسيط ينبعث من الصالون تماما كصوت التلفاز .. تحرك نحوه بخطوات طبيعية وإذا به يراها جالسة على الأريكة المقابلة للتلفاز وتستند بكلتا يديها على ذراع الأريكة واضعة رأسها فوق ظهر كفيها ونائمة ووساقيها المكشوفان للركبة تفرد جزء منهم بجانبها على طول الأريكة .
بقى متسمرا مكانه للحظات يتطلع إليها بتمعن حتى أصدر تنهيدة حارة بارتياح واقترب منها بحذر ثم انحنى والتقط جهاز التحكم الخاص بالتلفاز واطفأه والټفت إليها ليعود وينحنى عليها قبل أن يمد إحدى ذراعيه أسفل منتصف ساقيها والآخر أسفل منتصف ظهرها ليحملها فوق ذراعيه ويسير بها إلى غرفتهم .
فتحت عيناها بخمول ورأت صورته مشوشة قليلا بسبب نعاسها لكنها أدركت أنه هو ودون أن تشعر وجدت نفسها تلف ذراعيها حول رقبته وتنحنى برأسها تدفنها بين ثنايا رقبته هامسة بصوت ناعس وغير واع دون أن تفتح عيناها
_ بكرهك
انزل نظره إليها يرمقها مطولا ثم يبتسم بساحرية وينحنى برأسه عليها هامسا بمشاكسة
_ قولتيها كتير أوي لدرجة إني بدأت أشك إن قصدك بيها العكس
سمعت همهمات خاڤتة بصوته الهاديء في أذنها لكنها لم تدرك أي شيء وكان النوم هو العامل الأكبر الذي يسيطر عليها الآن .
وصل بها إلى الغرفة واقترب من الفراش فانحنى ووضعها برفق شديد في المنتصف ثم جذب الغطاء ورفعه على جسدها يدثرها به جيدا وكانت ردة
الفعل
التلقائية منها أنها ضمت الغطاء إليها أكثر في شعور طبيعي بالدفء .. جلس على حافة الفراش بجوارها ثم مد أنامله وأبعد خصلاتها عن وجهها الجميل يتأمل جمالها الساحري والمثير وبحركة لاشعورية منه نزلت أنامله بلمساتها إلى بشړة وجهها الناعمة يستشعر الاختلاف واستمرت لمساته في التنقل على بشرتها بعدم وعي .. لا يذكر متى كانت المرة الأخيرة التي اقترب منها فيها ولمسها دون أو يواجه نفورها الدائم لكل لمسه تخطها يده على جسدها لأول مرة منذ زواجهم روحه تطالب بها .. تتخبط في الأعماق مصرحة بشوقها إلى زهرة العقاپ التي تظهر له كل يوم مدى قسۏتها يبدو أن انتقامها سيكون أشد مما توقعه .
تمعن ملامحها الهادئة يفحص إذا كانت آثار تحسسها من فاكهة الموز لا تزال على وجهها أم لا كان هناك تورم بسيط لا يلحظ بعيناها وكذلك شفتيها الوردية بالعادة هي تمتلك شفاه صغيرة وناعمة كالأطفال لكن تورمها بفعل الحساسية جعلها منتكزة تثير الفطرة الطبيعية اشاح بوجهه للجهة الأخرى يبعد نظره عنها بعدما احس بدنو استسلامه وضعفه أمامها .. وبتلك اللحظة تحديدا صدع صوت رنين هاتفه فانتفض في جلسته ومد يده بجيبه مسرعا ليخرجه ويكتم الصوت حتى لا يوقظها .
استقام وسار مبتعدا قليلا عن فراشها يجيب على الهاتف
_ أيوة يافريدة
وصله صوتها وهي تأن من الألم وتقول بنبرة متوجعة
_ تعالى ياعدنان بسرعة .. أنا تعبانة أوي آاااه
أجابها فور سماعه تأوهاتها المرتفعة
_ حاضر .. مسافة الطريق وأكون عندك .. هجيب الدكتور معايا
فريدة برفض مسرعة
_ لا لا متجبش الدكتور .. تعالى إنت بس
_ طيب
انهى معها الاتصال واندفع مغادرا الغرفة وقبل أن يرحل توجه إلى غرفة صغيرته والقى نظرة عليها وهي نائمة في فراشها ثم دثرها بالغطاء جيدا وانصرف .
ظلت ممسكة بالهاتف بعدما انهت الاتصال معه وهي تحدق أمامها بغل وتتمتم بشړ يظهر في نظراتها
_ يلا خلينا نشوف هيروح يقعد عندك إزاي يابنت الرازي .. مبقاش أنا فريدة إما خليته واحدة واحدة هو بنفسه اللي يطلقك
ذهبت وانضمت إلى فراشها وتدثرت بالغطاء تستعد لتمثيل دور المړيضة عند وصوله حتى تكتمل كذبتها ! .. مرت دقائق طويلة قاربت على الساعة وهي بانتظاره وعيناها معلقة على ساعة الحائط وها هي تسمع صوت خطواته المميزة تقترب من الغرفة أخيرا فهرولت وعدلت من وضعية نومها وامسكت بمعدتها ورسمت
متابعة القراءة