بقلم ندى محمود

موقع أيام نيوز

طويلة وهي
كامنة بغرفتها تسأل نفسها بحيرة .. أفعلها أم لا ! .. لن أفعلها ! .. وبالأخير هتفت حسنا سأفعلها ! .
منذ عودتهم من الأفتتاح وهو يجلس بسكون هكذا في الشرفة حتى أن هاتفه يتركه على الوضع الصامت غير عابئا باتصالاته الكثيرة والتي في مقدمتهم اتصالات والدته .. كلما تتذكر ما عرفته بالصباح تستاء من تلك الحقېرة وتضحك في سخرية بنفس اللحظة .
لا يمكنها أن تكون سيئة لهذه الدرجة حتى تشمت بوضع كهذا بل بالعكس هي أكثر من ناقمة على تلك المرأة المليئة بالقذارة لكن بطبيعة الأنسان الفطرية هناك جزء من داخلها يشعر بالنشوة لحكمة القدر وكأن القدر يأخذ حقها دون أن تبذل أقل مجهود حتى .. يبدو أنها لن تحتاج لتشعره بما شعرت به طوال السنوات السابقة فخېانة زوجته ستكون كافية وزائدة عن اللازم .
تنهدت الصعداء بقوة ثم سارت بفنجان القهوة للخارج متجهة نحوه .. كانت ترتدي منامة منزلية قصيرة قليلا بحاملات عريضة بعض الشيء وتنزل بفتحة مثلثية متوسطة عند منطقة الصدر .
وقفت بجواره ومدت يدها بالقهوة له فرفع نظره إليها وبتلقائية نزل لملابسها يتفحصها في نظرة دقيقة فليست من عادتها أن ترتدي مثل هذه المنامات بالمنزل لكنه لم يعقب وتصنع التجاهل ثم مد يده والتقط الفنجان من يدها هامسا بنبرة عادية 
_ شكرا ياجلنار 
لم ترد وجذبت أحد المقاعد المجاورة لتجلس على مقربة منه وتقول بخفوت 
_ أنا هاخد هنا ونروح نقعد يومين عند خالتو انتصار 
رفع الفنجان لفمه وارتشف منه بتريث ثم رد عليها بلهجة صارمة لا تقبل النقاش 
_ لا 
اغتاظت من أسلوبه فقالت بحدة وڠضب 
_ أنا مش بشاورك على فكرة .. أنا بعرفك 
رمقها بنظرة ممېتة اربكتها قليلا ثم رد بهدوء مريب ينهي هذا الحوار قبل أن يأخذ منحنى لن يحبذه 
_ ادخلي الجو برد .. أو روحي نامي هيكون أفضل 
التهبت عيناها وبقت تحدقه بعين ڼارية كلها غل وغيظ وبداخلها ټلعن نفسها التي ذهبت واشفقت عليه وقامت بعمل القهوة بل حتى هو يستحق ما فعلته فريدة به .. خرجت همسة مسموعة ومحتدمة منها وهي تقول 
_ تستاهل أكتر من كدا كمان 
سمع همستها فالټفت برأسه نحوها وقال بعدم فهم رافعا حاجبه 
_ استاهل إيه ! 
ثارت واقفة وهتفت 
_ كل حاجة ياعدنان كل حاجة 
ابعدت المقعد من طريقها وهمت بالانصراف لكن كل الظروف تقف ضدها حتى قدمها ! التي التوت كت ما اقترفته فشهقت بهلع وانحنت عليه تسأل

سؤال سخيف لا يجب سؤاله بموقف كهذا 
_ القهوة ادلقت عليك .. اتحرقت مش كدا 
رد عليها شبه منفعلا وهو يستقيم واقفا 
_ أكيد اتحرقت القهوة لسا سخنة ابعدي 
عبر ودخل إلى الداخل ورفع يديه لأعلى عند ياقة تيشرته ينزعه عنه من الاعلى ويلقيه بعشوائية .. بينما هي فهرولت للغرفة حتى تجلب له مضاد للحروق بحثت بالإدراج في تلهف حتى عثرت عليه فخرجت وعادت له فورا شبه راكضة فوجدته جلس على الأريكة وينظر لمكان الحړق .. أسرعت وجلست بجواره تبعد يده عن منطقة الحړق التي كانت أعلى البطن بالقرب من صدره وهتفت بقلق 
_ ابعد إيدك هحطلك من المرهم ده عشان الالتهاب ميزدش 
رفع يديه دون أن يتفوه ببنت شفة وتابعها وهي تفتح العلبة الصغيرة وتضع مرهم بحجم عقلة اصبعها ثم وضعته على جسده وهي تمرر اصبعها بحركة دائرية على المنطقة الحمراء بفعل الالتهاب رفعت نظرها له وسألت بعين تعتذر لما سببته 
_ بتألمك جامد 
_ أيوة ياجلنار إنتي بتسألي أسئلة ذكية أوي قهوة سخنة وادلقت عليا فكرك هتكون بتألمني ولا لا !! 
زمت شفتيها بضيق من انفعاله عليها وصاحت 
_ وانتي بتكلمني كدا ليه أنا مالي .. هو أنا اللي قولتلك امسكني 
رفع حاجبه مستنكرا
ردها بدلا من أن تشكره تنكر جميله .. رد عليها بابتسامة ساخرة 
_ صح عندك حق .. انا غلطان كان المفروض اسيبك تقعي وتتكسر رقبتك 
جلنار بمضض وخنق من أسلوبه 
_ خلاص أنا آسفة معلش اللي حصل بسببي
لم يعقب فقط رمقها بصمت وتابعها وهي تكمل ما بدأت به للتو لحظة واثنين حتى غاص متأملا إياها .. لون شعرها المتغير الذي يميل للكستنائي لاحظه منذ أن رآها في أمريكا ولكنه لم يعقب وبكل مرة يقرر بأن يسألها متى غيرت اللون لا تسمح الفرصة بسبب شجارتهم الدائمة منذ عودتهم هذا اللون يليق بها بشكل مثير يجلعها
تماما كشمس الصباح المشرقة حين تكون دافئة ومتوهجة بنفس اللحظة .
خرجت همسة خاڤتة منه وهو يبتسم بنظرة إعجاب 
_ غيرتي لون شعرك لما كنتي في أمريكا 
ردت عليه باقتضاب 
_ امممم وياريت بلاش تعليق سخيف أو .....
توقفت عن استرسال الحديث حين وجدته يمد أنامله ويبعد خصلاتها المتمردة من أمام عيناها ويتمتم بنظرة لئيمة مبتسما 
_ Very exciting مثير للغاية 
ارتفع حاجبها بدهشة من رده غير المتوقع أليس تغزله بها شيء يدعى للذهول !! .. ابتسمت وقالت بازدراء 
_ لولا إن القهوة ادلقت على بطنك كنت قولت حاجة تاني .. إنت متأكد إنك تقصدني أنا ! أصل ....
_ تصبحي على خير يارمانتي 
_ هو في إيه .. ماله ده !!!
توقف بسيارته أمام إحدى المقاهي ونزل منها ثم قاد خطواته إلى الداخل ودار بنظره بين الجميع بحثا عنها حتى وجدها تجلس بالقسم الثاني من المقهي المقابل للنيل على أريكة متوسطة الحجم مقابلة للماء .. تعرف عليها من شعرها وظهرها فتنهد بارتياح وفي تلك اللحظة دوى صوت رنين هاتفه فأخرجه وأجاب على الهاتف وعيناه معلقة عليها 
_ أيوة ياخالتو 
ميرفت بصوت مرتعد 
_ طمني يا آدم لقيتها 
غمغم بصوت رجولي خاڤت 
_ لقيتها متقلقيش اهي قدامي 
ميرفت برجاء 
_ طيب متتأخرش يا آدم لأحسن أنا مش قادرة أقف على رجلي من الخضة هاتها وتعالو علطول 
_ حاضر مش هنتأخر مټخافيش 
انهى الاتصال معها ووضع الهاتف في جيب بنطاله مرة أخرى ثم تحرك باتجاهها في خطوات متريثة وعند وصوله إليها توقف للحظات خلفها ينظر إليها من الخلف كانت شاردة الذهن تتطلع للماء بعينان تائهة وبائسة .. مسح على وجهه بعبوس بات ناقم على نفسه المتسببة فيما وصلت إليه .
تحرك وجلس بجوارها ليخرج صوته الرزين وهو يحدق في الماء مثلها 
_ العزلة مش هتفيدك بالعكس بټأذي أكتر
صابتها نفضة بسيطة بخضة عندما سمعت صوته ورأته بجانبها .. متى جاء وكيف عرف مكان تواجدها ! سؤالان طرحتهم في وقت واحد بعقلها ! .. ابعد هو نظره عن الماء والټفت إليها برأسه مسترسلا حديثه بنظرة ذات معنى ونبرة مهتمة 
_ هتفضلي تفكري في الحاجة اللي مضايقاكي اكتر واللي هيحصل إن الحزن هيفضل ملازمك .. ارمي الشيء اللي مضايقك يازينة ورا ضهرك صدقيني طالما مسبب ليكي الألم ده يبقى ميستاهلكيش ومفيش حاجة تستاهل إن ابتسامتك الجميلة تختفي من على وشك
لمعت عيناها وتلألأت الدموع فيهم وهي تحدق به بقلب منكسر يتحدث كأنه يعرف بكل شيء .. لكنه أصاب الهدف تماما بكلماته شعرت بدموعها على وشك الانهمار فالتفتت برأسها تجاه البحر مسرعة تهرب بنظراتها منه هامسة ببعض الاضطراب 
_ هو إيه ده اللي ميستاهلنيش ! 
_ اللي مضايقك 
رمقته بنظرة طويلة .. نظرة عاجزة ومنطفئة وعينان دامعة تتحدث عن الآم قلبها المعذب بڼار الهوى .. هذه المرة لم يبعد نظره عنه كالعادة بل

ظل مثبتا عيناه عليها يحاول إخبارها من خلالهم أجل أنا هو الذي اقصده .. لا استحقك بل تستحقين الأفضل مني .
اشاحت بوجهها مرة أخرى وهتفت بصوت حاولت إظهاره طبيعيا 
_ عرفت إزاي إني هنا ! 
آدم ببساطة 
_ تخمين 
عندما لم تجب عليه استكمل هاتفا بجدية 
_ مامتك كانت ھتتجن من القلق والخۏف عليكي كان على الاقل ردي عليها وطمنيها يازينة 
_ أنا فاكرة إنها لسا في المعرض أو راحت عندكم عشان كدا عملت الفون صامت 
استقام على قدميه وقال بخشونة 
_ طيب يلا قومي عشان نروح البيت وتطمن عليكي 
زينة بصوت رقيق ورفض خاڤت دون أن تنظر له 
_ امشي أنت يا آدم وأنا هروح وحدي متقلقش عليا 
_ عارفة إني مفيش عذر كافي لغيابي عن الافتتاح النهارده بس .....
قاطعها مبتسما في تفهم وبدفء وهو يفتح لها مقعد السيارة الأمامي المجاور لمقعده 
_ ولا يهمك أنا متفهم الوضع .. يكفي وقفتك معايا طول التجهيزات
طالعته وشفتيها مالت لليسار قليلا في ابتسامة عابسة قبل أن تستقل بالسيارة ثم اغلق هو الباب والټفت من الجهة الأخرى وفتح باب مقعد القيادة واستقل
بجوارها منطلقا بالسيارة في طريق منزل خالته .
في صباح اليوم التالي ......
عدة طرقات منخفضة على الباب بفعل يدها الصغيرة لكن لا يوجد إجابة من والديها ! .. ظلت واقفة أمام الباب وهي تزم شفتيها بعبوس وتفكر بتردد اتفتح الباب وتدخل أم تستمر في الطرق إلى أن يستيقظوا لكن بفطرة الأطفال في عدم الصبر قررت أن تدخل .. وقفت على أطراف أصابع قدمها ومدت يدها لمقبض الباب وفتحته ببطء وحذر .. أدخلت رأسها فقط من خلف الباب تلقى نظرة عليهم فوجدتهم نائمين بعمق في الفراش .. والدها ينام على ظهره واضعا كفه أسفل رأسه بوضيعة نومه المعتادة وأمها تنام على آخر الفراش مولية ظهرها لأبيها .. ابتسمت بخبث طفولي واندفعت نحو الفراش وصعدت عليه واستقرت في المنتصف بينهم ثم اقتربت من والدها وقالت بصوت منخفض 
_ بابي 
لم يستيقظ فمدت كفيها الصغيرتين ووضعتهم فوق صدره تهزه برقة متمتمة 
_ بابي .. بابي اصحى 
فتح عيناه تدريجيا وبمجرد اتضاح صورتها كاملة أمامه ابتسم بحب واعتدل في نومته ثم انحنى عليها لاثما وجنتها متمتما بصوت مازال يحمل أثر النوم 
_ صباح الورد يا هنايا 
ضحكت لأبيها بحب مماثل وقالت 
_ اتأخرت على الشغل 
اتسعت ابتسامته وفغر عيناه بدهشة مصطنعة واردف 
_ بجد هي الساعة كام !
التقط هاتفه وتفقد الساعة فوجدها السابعة صباحا عاد يجيب عليها غامزا 
_ لسا بدري يالئيمة إنتي عايزة تمشيني ولا إيه !
هزت رأسها بالنفي واقتربت منه تهمس في أذنه مبتسمة في دلال طفولي
لا يقاوم 
_ خدني معاك يابابي 
_ اخدك معايا الشغل !! 
اماءت له بالموافقة وهي تطالعه بعينان لامعة كلها تشويق وحماس فرد عليها بحنو ابوي 
_ مش هينفع ياملاكي .. أنا هكون مش فاضي ومش هعرف اخد بالي منك 
هتفت هنا مسرعة بتوسل وعينان تحاول اتسعطافه من خلالهم 
_ هسمع الكلام وهفضل قاعدة ساكتة جمبك 
_ بتعرفي تثبتيني إنتي ياقردة .. خلاص من غير زعل هاخدك
وثبت فوق الفراش بسعادة غامرة صائحة وهي ترتمي على أبيها عاقدة ذراعيها الصغيرة حول رقبته 
_ هييييه يعيش بابي
تعالت صوت ضحكته الرجولية وهو يلف ذراعه حولها ضاما إياها إليه .
النائمة فوقه كيف جاءت هنا هي تتذكر جيدا أنها ليلة أمس نامت بجوار ابنتها في غرفتها حتى لا تكون معه بغرفة واحدة .. ثم رفعت جزء من الغطاء ونظرت للداخل فإذا
تم نسخ الرابط